أشار الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، في كلمته خلال مهرجان "طوفان الأحرار"، لمناسبة يوم القدس العالمي، في مجمع سيّد الشّهداء في الضّاحية الجنوبيّة، إلى أنّ "عمليّة "طوفان الأقصى" ما كانت إلّا من أجل القدس والمسجد الأقصى"، والشّهداء ما زالوا يتقدّمون ويرتقون في ساحات الجهاد المختلفة".
ولفت إلى "أنّنا يجب أن نتوقّف عند شهداء الأيّام الأخيرة في العدوان الإسرائيلي الغاشم على القنصليّة الإيرانيّة في دمشق، الّذي أدّى إلى استشهاد عدد من الأعزّاء، ومن بينهم شهداء قادة كبار لهم قيمة تاريخية في مسيرتنا، وأعني بالتّحديد الشّهيد القائد محمد رضا زاهدي المعروف بـ"الحاج مهدوي"، مؤكّدًا أنّ "الاعتداء على القنصليّة الإيرانيّة حادث مفصلي له ما قبله وما بعده".
وركّز السيّد نصرالله على أنّ "قائد الثّورة الإسلاميّة الإمام علي الخامنئي يؤكّد على الموقف الثّابت من القضية الفلسطينية ومن كيان العدو، وإيران قدّمت في سبيل هذا الموقف التّضحيات الجسام، اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا. وأحد الأسباب الكبرى في شنّ الحروب على إيران والعداء لها، هو موقفها تجاه إسرائيل والقدس والمقاومة الفلسطينيّة".
وذكر أنّ "حتّى الآن، ترفض إيران أيّ لقاء أو تفاوض مباشر مع الأميركيّين، في حين تتمنّى أغلب دول العالم التّكلّم والتّفاوض مع الأميركيّين. حتّى في الملف النّووي، إيران ترفض حتّى الآن التّفاوض المباشر مع الأميركيّين، وهذا له فلسفته ورؤيته"، مبيّنًا أنّ "الأميركيّين يعبّرون دائمًا عن استعدادهم للتّفاوض المباشر مع الإيرانيّين، لكن الإيرانيّون لا يُخدعون".
كما شدّد على أنّ "إيران لا ولن تفاوض على الملفّات الإقليميّة مع الأميركيّين. وعندما تفاوض، تكون جزءًا من تشكيل عالمي"، متسائلًا: "لو أتت إيران الآن وقالت إنّها مستعدّة للتّفاوض المباشر مع الأميركيّين، هل سيبقى الحصار عليها كما هو الآن؟ ماذا سيصبح دورها؟ في أيّ قاعة سيوضع بقيّة اللّاعبين؟". واعتبر أنّ "كلّ من يحلّل ويقول إنّ ما يجري في غزة وفلسطين والعراق واليمن والانتخابات الرئاسية في لبنان، ينتظر المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة، هو كلام غير صحيح".
وأفاد نصرالله بـ"أنّنا نسمع سخافةً بشكل مستمرّ أنّ كلّ ما يجري في المنطقة هو مسرحيّة أميركيّة- إيرانيّة أو سيناريو أميركي- إيراني. حتّى قرأت كلامًا أنّ قصف القنصليّة الإيرانيّة جزء من سيناريو أميركي- إيراني لترتيب وضع المنطقة"، مشيرًا إلى أنّ "هؤلاء لا يمكنهم أن يصدّقوا أيّ شيء عن انتصارات المقاومة في المنطقة، وأيّ مشهد من مشاهد الانتصار يفسَّر عند المتخاذلين والأذلّاء على أنّه سيناريوهات متّفق عليها بين إيران وأميركا".
ورأى أنّ "إيران في مواقفها كانت ولا تزال سندًا حقيقيًّا لكلّ من يقاتل هذا الاحتلال، ويقاوم في فلسطين ولبنان والمنطقة، وبدعمها غيّرت الكثير من المعادلات وأسقطت الكثير من مشاريع الهيمنة، وساهمت في انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة"، موضحًا أنّه "لو أرادت إيران تبديل موقفها لفعلت ذلك خلال عشرات السّنين الماضية، وموقفها الرّاسخ والصّلب عبّر عنه الشعب الإيراني في خروجه اليوم في أكثر من 2000 مدينة وبلدة إيرانيّة، ما يعبّر عن التزام القيادة الإيرانيّة تجاه هذه القضيّة".
وجزم أنّ "المقاومين الّذين يسندون ظهرهم إلى إيران، يجب أن يكونوا مطمئنّين، لأنّ إيران لا يمكن أن تبيع أو تتخلّى عن دينها وأصدقائها والمظلومين في المنطقة"، لافتًا إلى أنّ "بالنّسبة لنا ولكلّ مقاوم شريف، فإنّ العلاقة من إيران والتّحالف معها هو عنوان الشّرف والفخر والكرامة الإنسانيّة في هذا الزمان. ومن يجب أن يخجل هو من يطبّع مع إسرائيل ويقيم العلاقات معها ويدافع عنها ويسوّغ ويبرّر لها جرائمها، ومن يقيم علاقات صداقة مع أميركا، الّتي هي المسؤول الأوّل عن كلّ الجرائم وعن حرب الإبادة وكلّ الحروب بالمنطقة، وعن كلّ المجازر والجرائم البشعة. إخجلوا من العلاقة والصّداقة والتّحالف معها"، معتبرًا أنّ "وجه الرّئيس الأميركي جو بايدن ويداه وكلّ إدارته غارقون في دماء الأطفال والنّساء في غزة ولبنان والمنطقة".
إلى ذلك، أكّد نصرالله أنّ "يوم القدس يأتي هذا العام مختلفًا بسبب "طوفان الأقصى". ستّة أشهر مضت من القتال المتواصل في غزة وجبهات الإسناد، ولا شكّ أنّ "طوفان الأقصى" هو مفصل في تاريخ منطقتنا، وما قبل الطّوفان ليس كما بعده على كلّ الأصعدة بالنّسبة للعدو وللصّديق وللمنطقة والعالم"، ووجد "أنّنا أمام حدث جعل بقاء إسرائيل في دائرة الخطر، وكشف هشاشتها وضعفها وفشلها الأمني والسّياسي والمعنوي، لولا أن تداركها الشّيطان الأكبر".
وركّز على أنّ "هذه الحرب على غزة هي حرب مَن فَقد عقله، وهذا من أسباب الفشل في الحرب، لأنّ إسرائيل لا تدير هذه الحرب بعقل، وطريقة مواصلة الإسرائيليّين القتال تدلّ على أنّهم فقدوا عقولهم. وبعد 6 أشهر من الحرب، ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدّفاع يوآف غالانت وكثيرون فاقدين لعقولهم".
وشدّد على أنّ "ما يمارسه العدو من قتل وتجويع في غزة، هو من أجل الضّغط والتّرهيب، لأنّ لا أفق أمامه لا في الميدان ولا في المفاوضات، وفي نهاية المطاف يجب أن يتوقّف نتانياهو وسيعجز عن تحقيق الأهداف الّتي وضعها. بعد 6 أشهر، ما زال نتانياهو عاجزًا عن القضاء على حركة "حماس" والمقاومة في غزة، وعن استرجاع الأسرى، وليس لديه أو لدى الحكومة تصوّرًا لليوم التّالي لانتهاء الحرب في غزة".
وتساءل نصرالله "ما صورة غزة واليوم التّالي بعد انتهاء الحرب؟"، مشيرًا إلى أنّ "الإسرائيليّين لا أفق لديهم في ذلك وهم ضائعون، ولا أفق لدى نتانياهو في حلّ مشاكله الدّاخليّة، وخسارة الوضع الدّولي هي من نتائج "طوفان الأقصى". وذكر أنّ "نتانياهو بدلًا من أن ينزل عن الشّجرة، ذهب إلى الأمام وبدأ يتحدّث عن النّصر المطلق، فيما الآخرون يسخرون منه. وكلّ الضّغوط على المفاوض الفلسطيني، لم تضعفه وتجعله يقدّم تنازلات في الملفّات الأساسيّة"، منوّهًا إلى أنّ "استطلاعات الرّأي في مستعمرات الشّمال، تقول إنّ 80% لا يريدون العودة، وهذا سيوجّه ضربةً كبيرةً لفكرة الاستيطان".
كما لفت إلى أنّ "العجز عن إغلاق الجبهات الأخرى ومنها لبنان واليمن والعراق، هو إنجاز محقّق. لقد بذلوا جهدًا كبيرًا لإغلاق جبهة لبنان، والتّهديد بالحرب الشّاملة على لبنان لم يؤدِ إلى وقف الجبهة، والضّغوطات كلّها لم تغيّر من موقفنا، فجبهة لبنان مستمرّة ولن تتوقّف وهي مرتبطة بجبهة غزّة"، مشيرًا إلى أنّ "كلّ التّهويل الأميركي والبريطاني والدّولي لم يستطع إيقاف جبهة اليمن في البحر الأحمر، ولا جبهة العراق".
وأوضح أنّه "عندما تتوقّف الحرب، سيكون الكيان الإسرائيلي أمام الاستحقاقات الكبرى، ومنها استقالات ومحاكمات، وهذا ما يهرب منه نتانياهو. ونحن نرى في المنطق وفي المعطيات السّياسيّة والميدانّية والأمنيّة والاقتصاديّة والمعنويّة والدّبلوماسيّة، ما كان يقول عنه الخامنئي منذ الأيّام الأولى، إنّ إسرائيل ستُهزَم وغزّة ستنتصر".
وجزم الأمين العام لـ"حزب الله"، "أنّنا نقاتل برؤية نصرٍ مشرقة وواضحة وآتية، رغم كلّ التّضحيات الّتي نقدّمها. والمهمّ أن نواصل ونصمد ونتابع في كلّ الجبهات، بأمل واضح وكبير بأنّ نتيجة المعركة هي النّصر، ومن يقول إنّ المعركة ستصل إلى هزيمة، عليه إعادة حساباته"، وتابع "محور المقاومة في هذه المعركة ذاهب إلى انتصار كبير وتاريخي".
وأعاد التّشديد على أنّ "موضوع اتسهداف القنصليّة الإيرانيّة هو مفصلي في الأحداث الّتي حصلت منذ 7 تشرين الأوّل الماضي إلى اليوم. ونستطيع أن نستنتج من كلام الإمام الخامنئي أنّ الرّدّ الإيراني على استهداف القنصليّة في دمشق آتٍ لا محالة، وتوقيت الرّدّ ومكانه وحجمه هو في يد الخامنئي والقادة الإيرانيّين"، موضحًا أنّه "عندما يُمسّ بالسّيادة الإيرانيّة، فهذا موضوع فوق الخلافات السّياسيّة، والإيرانيّون لا يقدّمون الصّغائر على الأولويّات الكبرى".
واعتبر أنّ "الحماقة الّتي ارتكبها نتانياهو باستهداف القنصليّة، ستفتح بابًا للفرج ولحسم المعركة، وأنّ الكلّ يجب أن يحضّر نفسه ويرتّب أموره ويحتاط ممّا يمكن أن تذهب إليه الأمور"، كاشفًا أنّ "جهوزيّة المقاومة قائمة وكاملة، ومعنويّات المجاهدين عالية وكذلك اندفاعهم في الجبهة".
وأعلن نصرالله أنّ "البيئة الحاضنة للمقاومة الّتي تعرّضت للتهجير موقفها مقدّر، وإنجازات هذه المعركة وبركاتها لن تعود على غزة فقط بل على كلّ لبنان والشعب اللبناني. وموقفنا من الجبهة اللّبنانيّة ما زال نفسه، أي عند وقف الجبهة في غزة تقف في لبنان، ولبنان في موقع القوّة".
إلى ذلك، توجّه إلى "العدو الّذي يعرف، وللصّديق ليزداد إيمانًا، وللتّافهين"، قائلًا: "إنّ هذه المقاومة في لبنان لا تخشى حربًا ولا تخاف منها، إنّما أدارت معركتها خلال الأشهر الستّة الماضية وحتّى الآن ضمن رؤية واستراتيجيّة، بما يحقّق النّصر ويحفظ لبنان، لكنّها على أتمّ الاستعداد والجهوزيّة معنويًّا ونفسيًّا وعسكريًّا وبشريًّا لأيّ حرب سيندم فيها العدو لو أطلقها على لبنان". وأضاف: "لا يقلق أحد أو يكون لديه تردّد، فالسّلاح الأساسي "بعد ما طلّعناه" والقوّات الأساسيّة لم نستخدمها بعد".
وركّز على "أنّنا في هذه المعركة الّتي نقدّم فيها خيرة شبابنا وتدمّر فيها بيوتنا وأرزاقنا، وسيعوّضها الله إن شاء الله، هي معركة منطلقها إيماني نبوي أخلاقي رسالي إنساني جهادي، ولن نتردّد فيها على الإطلاق وسنواصلها، والمقاومة قويّة ولبنان قوي بالمعادلة الذّهبيّة وبالتّضامن القوي في بيئة المقاومة"، مؤكّدًا "إذا أرادوا الحرب نقول لهم "يا هلا ومرحب"، وهذه الحرب هرب منها الإسرائليي منذ اليوم الأوّل، لأنّ قيادة العدو العسكريّة تعرف ما يعني الدّخول في حرب مع لبنان".